"العراق وحّدنا رغم اختلاف عاداتنا وتقاليدنا"
١٧ سبتمبر ٢٠٠٧عاشت الكاتبة الألمانية سوزانه فيشر عام 2005 في بيت مشترك في كردستان العراق مع شابات من جنسيات مختلفة بهدف التعرف على طبيعة المجتمع الكردي عن قرب، وتقديم المساعدة للمرأة الكردية لكي تمارس حقوقها.
هذه التجربة التي مرت بها الكاتبة مع زميلات لها من استراليا وأمريكا وكوريا وألمانيا والعراق وضعتها في كتابها الجديد "الفيلا الواقعة على حافة الجنون" Die Villa am Rande des Wahnsinns. وصدر الكتاب قبل عام عن دار نشر بيبر الألمانية.
وقد قامت فيشر في العاشر من الشهر الجاري(سبتمبر/ايلول) بتقديم كتابها إلى الجمهور السوري في المركز الثقافي الألماني بدمشق. وقد حظي الكتاب باهتمام خاص لاسيما وأنه يضيء جوانب متعددة في حياة المرأة الكردستانية.
فتيات من ثقافات مختلفة لدعم حرية الصحافة
هدف إقامة الكاتبة الألمانية في كردستان كان قيامها مع خمس زميلات بمهمة في مدينة السليمانية لصالح المعهد البريطاني للتحري في حالات الحرب والسلم Institute for War and Peace Reporting، وهي منظمة مستقلة تعمل على نشر الوعي الصحفي في الدول الديكتاتورية والمناطق التي تسودها الحروب.
وتحكي فيشر في الكتاب قصة عيشها المشترك مع زميلاتها في منزل بمدينة السليمانية شمال العراق تحت حراسة رجال الأمن، وتروي وكيف كن يتدبرن شؤونهن لوحدهن في ظل ظروف صعبة كالحصول على الكهرباء لخمس ساعات فقط وعلى كمية محدودة من المياه. اما في داخل البيت فلم يكن من الصعب تعايش ثقافات غربية متعددة رغم ضيق مساحته، غير أن الصعوبة تمثلت في التعايش مع الثقافة الغريبة عن ساكنيه خارج المنزل.
صعوبة التمييز بين الاحترام والانصياع الأعمى
تنتقد فيشر في كتابها وجود جوانب اجتماعية مُعتّم عليها في المجتمع الكردي، هذه الجوانب التي يكتشفها المرء بعد بضعة أسابيع من الإقامة في السليمانية تتمثل في تربية الأبناء باستخدام القسوة والتعامل مع المرأة من خلال عادات بالية وبعنف يصل إلى حد ارتكاب ما يسمونه جرائم الشرف.
وترى فيشر أن العادات الاجتماعية تضيَق حدود الحرية على المرأة الكردستانية "الحالمة بالتنقل ببنطال جينز وبمكياج ودون حجاب حالها حال المرأة في هامبورغ ونيويورك"، كما تقول الكاتبة. كما تتحدث فيشر في كتابها عن الصعوبة التي واجهتها مع زميلاتها في معرفة الحدود التي تفصل بين احترام المرأة للرجل وبين انصياعها الأعمى له. وتضيف في هذا السياق: "مهمتنا كانت صعبة جداً كونها تتعلق بإرساء الديمقراطية وتشمل المساواة بين المرأة والرجل".
المرأة الكردستانية غير ثائرة على واقعها
وتروي فيشر في كتابها بأنها وزميلاتها حاولن من خلال عملهن نقل جوانب من التجربة الغربية كحرية الانتخاب والتعبير عن الرأي بما يضمن للمرأة حريتها الشخصية في اللباس والسكن والتعليم الخ. كما حرصن على تجنب الآفات الاجتماعية المنتشرة في كردستان والتي تقلل من شأن المرأة، رغم احترامهن للمجتمع الكردي.
غير أن المشكلة تكمن حسب المؤلفة في أن المرأة الكردية في معظم الأحيان لا تمارس حقها. تقول فيشر: "مثلا حتى الكرديات اللواتي يعشن في أوروبا يعتقدن انه من الأصول ارتداء الحجاب مع أنهن غير مجبرات على ارتداءه". وهن بذلك يتناسين الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة.
أزمة في المنزل بسبب الرسوم الكاريكاتورية
حياة فيشر مع صديقاتها في شمال العراق كانت تتأثر بالأحداث السياسة المحيطة. فحول المسكن المشترك كانت الأحداث التاريخية تتسارع في العراق الذي يقف على مفترق طرق بين الديمقراطية وغياب السلطة. وعلى ضوء ذلك شهد المسكن الذي عاشت به سوزانه والأخريات تغيرات كثيرة على مستوى قاطنيه. فقد شهد مثلا صراع ثقافات حتى بين قاطنيه عندما اندلعت أزمة الرسوم الكاريكاتورية. رغم ذلك حافظ الجميع على صداقتهم، هنا تتسائل فيشر: "تُرى هل سنصبح أصدقاء بهذا الشكل لو بقينا في هامبورغ ونيويورك". وتضيف: "عاداتنا وتقاليدنا مختلفة، غير أن العراق وحدنا، أظهر العراق وحدة توجهاتنا في الحرية والديمقراطية، وجعلنا نساء لا يقهرن".