التعداد السكاني في العراق ـ فتيل إشعال صراع أم بارقة أمل؟
٢٠ نوفمبر ٢٠٢٤يجري العراق يومي الأربعاء والخميس (20 و21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) أول تعداد شامل للسكان منذ أكثر من ثلاثة عقود، في لحظة محورية في سعيه لجمع بيانات عن السكان للاستفادة منها في التخطيط والتنمية في المستقبل. وسيشمل التعداد ما يتراوح بين 43 و46 مليون عراقي.
وأصدرت السلطات تعليمات بتعطيل المدارس والدوائر الرسمية في اليومين المذكورين.
سيطلب ما بين 120.000 و140.000 من القائمين على التعداد المدربين تدريباً خاصاً من السكان الإجابة على أكثر من 70 سؤالاً. وتقول السلطات العراقية إنه سيتم تسجيل الردود على الأجهزة اللوحية ويمكن أن تكون البيانات الأولية متاحة في غضون 24 ساعة، وستكون جميع النتائج جاهزة في غضون شهرين.
ويقول السياسيون إن التعداد السكاني المخطط له ضروري للتنمية الاقتصادية في البلاد. ومع ذلك، يشعر آخرون بالقلق بشأن الحساسيات السياسية، وحتى الخطر المحتمل، الذي قد يجلبه مثل هذا التعداد.
وأوضح عادل بخاوان، المدير التنفيذي لـ "المركز الفرنسي للأبحاث والدراسات العراقية"، ومقره باريس، أن "الوضع في العراق متفجر بشكل عام؛ إذ لم يتم حل أي من القضايا المركزية بين مختلف مكونات المجتمع العراقي: المسلمين الشيعة، والمسلمين السنة، والأكراد". وتابع الباحث أن "المسلمين الشيعة في البلاد، الذين يشكلون الأغلبية، يعتبرون التعداد السكاني "ضرورة وطنية، لكن السنة يرون فيه آلية للهيمنة الشيعية على البلاد. والأكراد يعتبرون التعداد سلاحا تستخدمه الحكومة المركزية ضدهم".
آخر إحصاء كان قبل 27 عاماً
أجري آخر تعداد سكاني للعراق في عام 1997 في عهد صدام حسين. وبعد الإطاحة به بفعل الغزة الأمريكي للعراق عام 2003 لم تتمكن السلطات من إجراء أي تعداد. وكان من المقرر إجراء التعداد السكاني عام 2007 ولكن تم تأجيله عدة مرات بسبب مخاوف من أنه قد يؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد. وخلال محاولة عام 2009، قُتل العديد من القائمين على التعداد على يد مسلحين في الموصل.
ويكمن وراء فشل العراق في إجراء التعداد عدة أسباب.
منذ عام 2003، بني النظام السياسي في البلاد على نوع من نظام المحاصصة الطائفية والعرقية: رئيس وزراء العراق مسلم شيعي، ورئيس البرلمان مسلم سني، ورئيس الدولة كردي.
وأنشأت الولايات المتحدة بعد عام 2003 ذلك النظام السياسي لضمان أن تشعر المجموعات المختلفة بأنها ممثلة بشكل مناسب، ولإبعاد شبح التقاتل على السلطة في البلاد.
والتعداد السكاني الحالي الذي قد يوفر معلومات دقيقة عن المكونات العراقية يمكن أن يغير هذا التوازن كزيادة أو خفض عدد مقاعد البرلمان المخصصة لكل مكون. وحسب المعمول به من 2003 يكون لكل 100 ألف مواطن مقعد برلماني واحد، ويبلغ عدد السكان الآن ما بين 43 و46 مليون نسمة.
وتوقع عادل بخاوان أنه "من المحتمل جداً أن يرتفع عدد مقاعد البرلمان من 329 إلى حوالي 450".
ويميل الثير من العراقيين إلى التصويت لصالح سياسيين من داخل مكوناتهم الطائفية والعرقية. وأشار الباحث إلى أنه "بالنظر إلى أن معدل المواليد بين الأكراد هو 1.9 وبين الشيعة 4.99، فإن هذا يعني أن الشيعة سيؤكدون هيمنتهم الديموغرافية على البلاد بقوة أكبر".
وتهيمن الأحزاب الشيعية في عراق اليوم على البرلمان، ولكن أي تغييرات في ميزان القوى في البرلمان الاتحادي والمجالس المحلية يمكن أن تسبب توترات بين مختلف المكونات.
إيرادات النفط و"موظفون وهميون"
الجانب الآخر المثير للجدل في التعداد السكاني في العراق يتعلق بما يسمى "المناطق المتنازع عليها" في البلاد. وهي أجزاء من البلاد يقول أكراد العراق إنها تنتمي إلى منطقتهم التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في الشمال، لكن الحكومة العراقية تعتقد أنها جزء من العراق الفيدرالي. ومن أجل تحديد من تنتمي هذه المناطق، ينص دستور العراق لعام 2005 على أن التعداد السكاني يجب أن يكون جزءاً من الحل، لمعرفة من يعيش هناك بالضبط. لكن التعداد السكاني قد يقدم إجابات لا تعجب الأكراد ولا العرب.
هناك عامل إشكالي آخر يتعلق بإيرادات النفط العراقية، والتي وصلت في عام 2023 إلى حوالي 8 مليارات دولار في الشهر في المتوسط. ويتم تقسيم الإيرادات بين محافظات العراق المختلفة، بحيث تحصل المحافظات الأقل كثافة سكانية على أموال حكومية أقل.
ومن الممكن أن يؤثر التعداد السكاني أيضًا على مشكلة العراق المستمرة منذ فترة طويلة مع ما يسمى بـ "الموظفين الوهميين". وهذه الفئة تشمل عشرات الآلاف من العراقيين الذين يشغلون عدة وظائف في وقت واحد، بحيث يحصل الرئيس المسؤول عن الموظف على جزء من راتبه في مقابل عدم حضورهم الدوام وحتى يتمكنوا من الاحتفاظ بالوظيفة.
ماذا عن المناطق التنازع عليها ككركوك؟
وقد حاولت الحكومة العراقية الالتفاف على بعض هذه المشاكل عن طريق حذف الأسئلة المتعلقة بالانتماء العرقي والطائفي من التعداد السكاني.
وقال جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية"، إن ذلك سيجعل التعداد السكاني أقل خطورة. وقال لـ DW: "التعدادات القياسية في جميع أنحاء العالم لا تتضمن هذا السؤال [حول العرقية]". ويضيف طقرار الحكومة العراقية بحذف هذا السؤال من التعداد السكاني المخطط له يجعله أقل حساسية من الناحية السياسية".
وفيما يتعلق بالمخاوف الكردية بشأن "المناطق المتنازع عليها"، وافقت الحكومة الاتحادية على استخدام التعداد السكاني لعام 1957، الذي أجري أيام الملكية، كموجه أساس في مناطق مثل كركوك.
وانتقد عراقيون آخرون هذه التحركات باعتبارها قرارات سياسية من شأنها أن تجعل التعداد السكاني أقل أهمية. وحذر المحلل السياسي المحلي يحيى الكبيسي في مقال افتتاحي في شهر أيار/مايو في صحيفة القدس العربي الإعلامية ومقرها لندن، من أن تقديرات عدد السكان قبل وبعد الغزو الأمريكي الصادرة عن عدة جهات والإحصاء "ليست مجرد أرقام، بل هي سرديات ديموغرافية تنتج السياسات".
نتيجة "إيجابية"
ويعتقد جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية"، من مجموعة الأزمات أن التأثير العام سيكون إيجابياً. ويتابع الخبير في الشأن العراقي أن "[التعداد] يوفر معلومات حيوية وضرورية للتنمية". ويضيف: "قد يكون هناك فساد أو لا يكون، ولكن بوجود معلومات دقيقة وحديثة يمكن على الأقل إطلاق استراتيجية تنمية مبنية على الواقع والأرقام".
ويجادل الخبير بأن "نقص البيانات حول حجم المجموعات العرقية المختلفة كان أمراً جيداً، الأمر الذي سوف يساعد في منع الصراعات العنيفة". ويتابع: "يجب أن يكون العراقيون مواطنين أولاً وقبل كل شيء، وأن يتم معاملتهم على هذا النحو من خلال استراتيجية الحكومة. وتقسيم المجتمع إلى مجموعات عرقية، كما حدث في لبنان و العراق ، لن يؤدي إلا إلى زيادة خطر نشوب صراع عنفي".
أعده للعربية: خالد سلامة