الاعتداء على منتخب توغو يجدد الشكوك في قدرة القارة السمراء على تنظيم ناجح لأول مونديال
١٣ يناير ٢٠١٠كان من المفترض أن تصبح بطولة الأمم الإفريقية لكرة القدم المقامة حاليا في أنغولا عرسا إفريقيا متميزا تدق فيه الطبول وتتمايل فيه الأجساد طربا على إيقاعات موسيقى القارة السمراء، لكن الحلم سريعا ما تبخر. وشاءت الأقدار أن يحدث ذلك حتى قبيل انطلاق مباراة الافتتاح بعدما تعرضت ليلة الجمعة/السبت الماضي حافلة لاعبي منتخب توغو لإعتداء من قبل مجموعة انفصالية، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين من أفراد هذا المنتخب، الذي انسحب في نهاية المطاف من البطولة.
هذا الاعتداء أثار من جديد تخوفات من حدوث اعتداءات مماثلة في مونديال جنوب إفريقيا. كما أنه أعاد إلى الواجهة تساؤلات عدة حول مدى قدرة البلد المنظم على توفير الأمن لبعثات المنتخبات المشاركة في المونديال وللآلاف من المشجعين الذين سيتوجهون اعتبارا من يونيو/ حزيران القادم إلى جنوب إفريقيا لمتابعة المباريات.
"جنوب إفريقيا ليست أنغولا"
ولقناعته بأن رياح أحداث أنغولا ستصل إلى جنوب إفريقيا، سارع داني جوردان، رئيس اللجنة المنظمة للمونديال إلى طمأنة الرأي العام العالمي عبر تصريحات جاء فيها "أن جنوب إفريقيا ليست أنغولا. وأنه إذا ما اندلعت الحرب في كوسوفو، وفي الوقت نفسه أقيمت بطولة كأس العالم في ألمانيا فإن لا أحدا سيطالب بإلغاء البطولة لأن الجميع يعلم أن الحرب في كوسوفو وليست في ألمانيا". الرأي نفسه عبر عنه الناطق الإعلامي ريش مكوندو قائلا "إن إفريقيا قارة تتكون من 53 بلدا". في المقابل ذكر المكتب الإعلامي لرئيس جنوب إفريقيا جاكوب تسوما "أنه من غير المنطقي مقارنة الوضع الأمني في جنوب إفريقيا بنظيره في أنغولا".
كل هذه التصريحات جاءت سريعة وواضحة وتهدف جميعها إلى تهدئة الهواجس المسيطرة والتي حرمت لسنوات عديدة القارة السمراء من استضافة تظاهرة رياضية بهذا الحجم بسبب الحروب العديدة والاقتتال الداخلي التي تشهده بعض بلدانها. ومن هذا المنطلق أعرب إيمانويل إديبايور قائد المنتخب التوغولي عقب الاعتداء بأنه "يشعر بالخجل كون أنه وقع قبل وقت قصير من انطلاق أول بطولة لكأس العالم في إفريقيا"، في حين "أنه يتعين على إفريقيا تحسين صورتها أمام العالم ليتم احترامها".
خطوات هائلة
من المؤكد أن أنغولا ليست جنوب إفريقيا. فالأولى تعاني من أوضاع أمنية وسياسية مضطربة. وجبهة تحرير جيب كابيندا -التي أعلنت مسؤوليتها عن الاعتداء- استغلت بطولة الأمم الإفريقية لتوجيه ضربة موجعة إلى الحكومة الأنغولية متوعدة إياها بالقيام بالمزيد من الاعتداءات. في المقابل يستبعد المهتمون بالشأن الجنوب إفريقي من حدوث اعتداء مماثل على أرض هذا البلد الذي استبدل نظام الميز العنصري بنظام ديمقراطي رزين وخطا خطوات هامة نحو التنمية الاقتصادية. كما أنه شهد في السنوات الأخيرة تطورا هائلا في المجال السياحي حتى بات يسجل توافد حوالي تسعة ملايين من السياح سنويا. واعتبر منح جنوب إفريقيا شرف استضافة المونديال ثمرة لمجهوداتها ودعما لها لتكملة مسارها التنموي. وقد أنفقت حكومة جاكوب تسوما ميزانيات هائلة للرفع من مستوى البنية التحتية ولتعزيز الإجراءات الأمنية. وسبق للجنة المنظمة للمونديال أن أعلنت بأنه سيتم الاستعانة بـ190 ألف عنصر أمني خلال المونديال.
"بلد المتناقضات"
ورغم أن جنوب إفريقيا لم تشهد أحداث عنف تذكر في جل التظاهرات الرياضية التي نظمتها منذ 1994، إلا أن الصحفي الرياضي الألماني في مؤسسة دويتشه فيله أرنولف بوتشير يشير إلى أن جنوب إفريقيا هي أيضا "بلد المتناقضات"، وذلك ما استشفه ـ كما يقول ـ أثناء رحلاته المتكررة إلى هناك وفي الجولات التي قادته إلى مختلف المدن التي ستستضيف مباريات المونديال. ولا تزال معدلات الفقر والجريمة مرتفعة بشكل كبير في مدن جنوب إفريقيا الكبرى، بل إن الإحصائيات الأخيرة أوضحت بأن البلاد تسجل أعلى نسب الجريمة على مستوى العالم. وقد يكون جوزيف بلاتر رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم قد أخذ بعين الاعتبار كل هذه المعطيات قبل أن يرسل خطاب التعزية الحذر إلى عيسى حياتو رئيس الإتحاد الإفريقي لكرة القدم عقب أحداث أنغولا وجاء فيه "أنا واثق بإفريقيا. وهذه الثقة تستدعي أن نقوم سويا بتنظيم أكبر تظاهرة في عالم كرة القدم".
الكاتبة: وفاق بنكيران
مراجعة: عبده جميل المخلافي