الاستعمار الألماني في إفريقيا.. سقط "سهواً" من دروس التاريخ؟
١٣ فبراير ٢٠٢١تظهر ورقة عملة نقدية في ناميبيا من فئة 200 دولار صورة لهندريك ويتبوي. يتعلم طلاب المدارس الثانوية أن ويتبوي حارب الاحتلال الألماني لما يعرف الآن بناميبيا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
نفذ الألمان إبادة جماعية لشعب هيريرو وناما في البلاد التي أطلقت عليها القوى الأوروبية في ذلك الوقت اسم "جنوب غرب إفريقيا الألمانية". في ناميبيا وحتى اليوم يتم تكريم ويتبوي كبطل قومي بسبب كفاحه من أجل الحصول على الحرية من المستعمرين الألمان.
لكن من غير المرجح أن يعرف الطلاب في ألمانيا أي شيء عن ويتبوي. تم تجميع ورقة معلومات عن المقاوم الناميبي من قبل الجمعية الألمانية Gemeinsam für Afrika (معًا من أجل إفريقيا) على أمل أن يستخدمها المعلمون المهتمون بالأمر في فصولهم الدراسية، ولكنها ليست جزءًا من مواد التدريس الرسمية في المدارس الألمانية.
ويرجع ذلك إلى أن الكتب المدرسية الرسمية والمناهج التعليمية في المدارس الألمانية في الوقت الحاضر تتجاهل بشكل شبه كامل تاريخ الاستعمار الألماني الممتد إلى 30 عامًا في إفريقيا وغرب المحيط الهادئ. بل إن الموضوع لايتم تدريسه على الإطلاق في بعض الولايات الألمانية ولم يتم تناوله إلا في عدد محدود من الولايات الألمانية وبشكل بسيط للغاية.
دعوة للإصلاح
تقول أبيغيل فوغا، من مدينة كولونيا، والتي بدأت حملة من أجل تدريس تاريح بلادها الاستعماري: "لهذا السبب يجب مراجعة الكتب المدرسية والمناهج الدراسية". وتضيف لـ DW: "ما يتم تدريسه حاليًا في المدارس لا يكفي".
وحتى الآن شارك بالتوقيع في الحملة ما يقرب من 95000 شخص.
تقول فوغا إنها عندما كانت في المدرسة، فإن المدرسين تناولوا بالكاد موضوعات التاريخ الاستعماري الألماني والعنصرية، على الرغم من أنها عانت من الأمر الأخير كثيرًا. تقول فوغا: "لم يكن لدي أوقات سهلة أو جيدة في المدرسة. كلا والديّ هما في الأصل من غانا".
في الفترة ما بين عام 1884 إلى عام 1916، كان المسؤولون الاستعماريون الألمان يديرون دفة الأمور في غرب إفريقيا، في مناطق هي اليوم جمهورية توغو وأجزاء من غانا. واعتبرت الإمبراطورية الألمانية ما كان يعرف باسم "توغولاند" مستعمرة نموذجية. وفي هذه المناطق استغل الألمان الموارد الطبيعية وحرموا سكان توغو من حقوقهم وعاقبوهم بالضرب.
تعتقد فوغا أن العنصرية الحالية في ألمانيا لا يمكن فهمها إلا عندما يعرف الناس التاريخ الاستعماري لبلادهم. وقالت: " إذا كان الأطفال السود قد كبروا في السن بما يكفي لمعرفة واختبار تجربة العنصرية، فإن الأطفال البيض قد كبروا في السن أيضاً بما يكفي ليتعلموا شيئًا عنها".
انتقادات ودعم من المعلمين
قالت فوغا إن التماسها قوبل بردود فعل متباينة. وأضافت أن معظم الذين ينتقدونها هم مدرسون: "إنهم يتهموننا بتجاهل حقيقة أن التاريخ الاستعماري هو بالفعل جزء من المناهج الدراسية. لكن المشكلة أن الموضوع ليس إلزامياً".
ويعد مقتل 6 ملايين يهودي في الهولوكوست، والحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة ، وتقسيم ألمانيا موضوعات مهمة في دروس التاريخ الألماني، ولكن ذلك لايترك سوى القليل من الوقت لتناول موضوعات أخرى، وقليل من المدرسين من يفعلون ذلك ومنهم ايمكه شتالمان وهي معلمة في مدرسة فارسن الثانوية في هامبورغ.
تقول شتالمان لـ DW: "لقد تعاملنا مع موضوع تاريخ الاستعمار الألماني بشكل مكثف نسبيًا مع الطلاب في سنواتهم الأخيرة لمدة 15 عامًا". وتضيف: "في نهاية المطاف فإن التاريخ الاستعماري هو موضوع وثيق الصلة بشكل لا يصدق بقضايا حالية وهو ضروري لفهم العديد من القضايا الدولية الحالية".
وتوكد شتالمان أنه لهذا السبب فإنه من المهم النظر إلى الروابط بين التاريخ الاستعماري وحوادث العنصرية اليومية، أكثر من أي وقت مضى وخصوصاً في الفترة الأخيرة بعد انطلاق الاحتجاجات العالمية والتي حملت شعار "حياة السود مهمة"، مؤكدة أن تلاميذها كانوا متحمسين للغاية للتعامل مع الموضوع، حتى خارج إطار الدروس.
وكجزء من هذا الأمر، قام تلاميذ شتالمان بزيارة النصب التذكاري الحربي الخاص بـ "شرق إفريقيا الألمانية" في منطقة جينفيلد في هامبورغ، حيث يتم الاحتفال بالتاريخ الاستعماري الألماني في النصب التذكارية التي تم إنشاؤها خلال الحقبة النازية والتي يُظهر بعضها الضباط الاستعماريين كأبطال وقادة يتبعهم الجنود المحليون بطاعة. تقول شتالمان: "لقد فكرنا في طريقة التعامل مع هذا النصب التذكاري .. وقد بدأ التلاميذ بالفعل في الخروج بمقترحات بديلة."
ومنذ عام 2018، دخلت مدرسة فارمسين Farmsen الألمانية مع مدرسة تشانغ اومبي Chang'ombe الثانوية في دار السلام بتنزانيا في نوع من الشراكة. تقول شتالمان: "لقد أدركنا أننا نتعامل مع مواضيع متشابهة جدًا في دروس التاريخ في كلتا المدرستين، بما في ذلك الإمبريالية والتاريخ الاستعماري.. لذلك توصلنا إلى فكرة إعطاء طلابنا الفرصة للعمل على هذا الموضوع معًا."
ولذلك، يتبادل الطلاب من القوة الاستعمارية السابقة "ألمانيا" والمستعمرة السابقة "شرق إفريقيا الألمانية" الأفكار حول تاريخهم المشترك. توجت هذه الشراكة بزيارات متبادلة بين طلاب المدرستين. في هامبورغ، قام التلاميذ من كلتا المدرستين بإنتاج فيلم في النصب التذكاري الاستعماري.
تدرك أبيغيل فوغا ونشطاء آخرون أنه لا يمكن لكل مدرسة أن تنظم مثل هذا التبادل الطلابي، لكنها تأمل في الوقت نفسه أن تتاح لجميع التلاميذ الألمان الفرصة للتفاعل مع الماضي الاستعماري لألمانيا وإرثها ومع أزمة العنصرية. تريد فوغا أن تلعب دورًا بنفسها في المسألة، ففي الوقت الحالي تحصل فوغا على دروس مكثفة في مجال التدريب على مناهضة العنصرية في المدارس.
بيتر هيله
ترجمة: عماد حسن