إيران.. مواقع التواصل ملاذ المحتجين ومصدر معلوماتهم!
٣٠ نوفمبر ٢٠٢٢دخلت الاحتجاجات في إيران شهرها الثالث منذ وفاة الشابة الكردية جينا مهسا أميني خلال احتجازها من قبل "شرطة الأخلاق" المثيرة للجدل بزعم ارتدائها ملابس "غير محتشمة".
وأشعلت وفاة مهسا في سبتمبر/ أيلول الماضي موجة احتجاجات في العديد من المدن الإيرانية ضد سياسات الحكومة المناهضة للمرأة وخاصة فرض الحجاب الإلزامي. ومنذ ذلك الحين، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو تدل على اتساع رقعة الاحتجاجات وتُظهر متظاهرات يحرقن الحجاب أو تعرض المتظاهرين والمتظاهرات للضرب والقمع والسحل في الشوارع على أيدي قوات الأمن.
وخلال التظاهرات السابقة، كانت مواقع التواصل الاجتماعي منصة هامة للإيرانيين للحصول على معلومات موثوق بها، لكن في الآونة الأخيرة تزايد اعتمادهم على هذه المنصات التي أضحت تشكل أهمية أكبر للحصول على المعلومات وتبادلها.
سيطرة النظام على الإنترنت
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن معدل انتشار الإنترنت في إيران يبلغ 84 بالمائة، فيما ذكرت بيانات موقع Globalstats الشهر المنصرم أن ما يقرب من 27 بالمائة من الإيرانيين يستخدمون موقع "بينتيريست" ثم مواقع مثل انستغرام وريديت وتويتر بنسبة: 17 بالمائة و13,3 بالمائة و10,4 بالمائةعلى التوالي.
وفي سياق متصل، قال الرئيس التنفيذي ومؤسس تيليغرام بافيل دوروف: إن التطبيق يحظى أيضا بشعبية كبيرة بين الشباب الإيراني في ضوء وجود أكثر من 40 مليون مستخدم في البلاد، أي ما يعادل حوالي نصف تعداد سكان إيران البالغ 90 مليون نسمة.
وقبل فرض الحكومة الإيرانية القيود على الإنترنت في سبتمبر / أيلول الماضي، كان موقعا انستغرام وواتساب شائعين، حيث شكل عدد مستخدمي انستغرام العام الماضي نحو 89 بالمائة من سكان البلاد.
بدوره، قال مهدي ساريميفار، الصحافي الإيراني المتخصص في العلوم والتكنولوجيا والمقيم في كندا، إن النظام الإيراني يسيطر على كافة أشكال الاتصالات في البلادسواء المواقع الإخبارية أومنصات التواصل الاجتماعي.
وأضاف أن "مشغلي شبكات الهواتف المحمولة وأيضا مزودي خدمات الإنترنت في إيران هي شركات خاصة تتم مراقبتها من قبل آية الله خامنئي عبر شبكة معقدة من الشركات التجارية والاستثمارية لتصل في نهاية المطاف إلى أربع مؤسسات اقتصادية هي الهيئة التنفيذية لأوامر الإمام ومقر خاتم ومؤسسة قدس رضوي ومؤسسة مستضعفان".
وإزاء ذلك، يعتمد الكثيرون في إيران على شبكات التواصل الاجتماعي للحصول على أخبار محايدة وموثوق بها، ولاسيما من خلال خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة أو ما يعرف بـ"في بي أن" فيما أدت القيود على الإنترنت من قبل الحكومة إلى تزايد سخط المتظاهرين.
وفي ذلك، قال ساريميفار إن قمع الشرطة للمتظاهرين سواء بشن حملات اعتقالات وتعذيب أو إصدار أحكام وصلت إلى عقوبة الإعدام أدى إلى زيادة زخم الاحتجاجات.
وأضاف أنه في ضوء ذلك، باتت وسائل التواصل الاجتماعي "تتولى وظيفتين أساسيتين في إيران: الوظيفة الأولى تتمثل في إبلاغ الناس بأحدث المستجدات وتوثيق الأحداث لصالح المنظمات الحقوقية؛ فيما تكمن الوظيفة الثاني في استغلال المتظاهرين لمنصات التواصل للتنسيق فيما بينهم بشكل يومي".
ماذا عن الداخل الإيراني؟
بدوره، قال كامران وهو إيراني يعيش في طهران وأحد مستخدمي الشبكات الافتراضية الخاصة، إن الفضاء الإلكتروني بات أفضل طريقة لتبادل المعلومات حول "جرائم الجمهورية الإسلامية"، مضيفا أن "شبكات التواصل الاجتماعي تساعد الإيرانيين في معرفة مستجدات موجة الاحتجاجات وتبادل المعلومات".
أما الشابة الإيرانية شيرين والتي تستخدم "انستغرام" منذ عام 2013 فتؤكد أن التطبيق يساعدها في البقاء على تواصل مع الأصدقاء، مضيفة أن "التطبيق يعتبر طريقة سريعة وسهلة لنشر آرائي وأفكاري". وأضافت "عندما أنشر منشورا أتلقى ردود فعل إيجابية، وهو ما يحفزني لنشر المزيد ويساعدني ذلك على معرفة وجهات النظر المختلفة. أتواصل مع الآخرين بشكل أكثر فعالية عبر منصات التواصل الاجتماعي".
وتؤكد أن القيود على الإنترنت تؤثر على الولوج إلى العديد من المواقع الإلكترونية، فرغم قدرتها على الدخول إلى حساباتها إلا أنها تعاني من بطء الإنترنت، مضيفة "في نهاية الأمر، أفقد صبري".
وأشارت شيرين إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تسبب لها و لغيرها من الناشطات الإيرانيات مشاكل، وتضيف بأنها تشعر "ببعض الإحباط في معظم الأوقات بسبب ردود فعل البعض، الذين يتعاملون بالطريقة ذاتها التي ينتهجها نظام الجمهورية الإسلامية، إذ يتبنى هؤلاء وجهات نظر استبدادية ولكن على نطاق شخصي". وقالت "عندما أكتب وأنشر تعليقات تؤيد حقوق المرأة أتعرض لمضايقات من المستخدمين الذكور، لذا أقوم بفرض قيود على التعليق أو التوقف عن نشر المزيد".
نشاط في خارج إيران
وفي الوقت الذي يعاني فيه العديد من الإيرانيين من صعوبة الوصول إلى الإنترنت، يسعى النشطاء خارج البلاد إلى مساعدة المجتمع الدولي على فهم حقيقة ما يحدث داخل البلاد.
فعلى سبيل المثال، نقل المذيع الألماني الشهير يوكو فترشايدت حسابه على موقع انستغرام إلى الناشطة الإيرانية المقيمة في كندا أعظم جانغرافي لمساعدتها في نشر تعليقاتها المتعلقة بالاحتجاجات في إيران. وقالت إن حساب يوكو الذي يتابعه أكثر من مليوني شخص، ساعدها في الوصول إلى جمهور دولي أكبر، مضيفة أن "استخدام مثل هذه المنصات للوصول إلى جمهور أوسع يساعد في زيادة التوعية حيال ما يحدث في إيران خاصة نضال الإيرانيات ضد الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان".
وأكدت أن منصات التواصل الاجتماعي باتت مقصدا للصحافيين لمعرفة مستجدات الأحداث في إيران، مضيفة "نرى أن الصحافيين ووكالات الأنباء تستخدم بشكل متكرر وسائل التواصل الاجتماعي لجمع المعلومات خاصة في الأماكن التي قد يكون الوصول إليها مستحيلا أو محفوفا بالخطر".
بيد أن تزايد انتشار منصات التواصل الاجتماعي لم يكن في صالح المتظاهرين والمتظاهرات على الدوام، حيث ساهمت في نشر معلومات مضللة وأخبار كاذبة أيضا حول المظاهرات، إذ انتشر خبر يُفيد بإصدار السلطات الإيرانية عقوبة الإعدام بحق 15 ألف متظاهر، لكن تبين لاحقا أن خمسة أشخاص فقط صدرت بحقهم أحكام بالإعدام.
ورغم ذلك، تؤكد جانغرافي أن منصات التواصل الاجتماعي كانت مؤثرة وفعالة وصبت في صالح النشطاء المعارضين للنظام، مضيفة "يجب ألا ننسى أن نظام الجمهورية الإسلامية يمتلك منظومة بروباغندا قوية... لكن في المقابل، يعتمد النشطاء السياسيون في الغالب على إمكاناتهم الخاصة".
نيلوفر غلامى وماناسي غوبالاكريشنان/ م ع