1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أزمة العلاقات الفرنسية الألمانية.. تصدع في الجدار الأوروبي؟

٢٦ أكتوبر ٢٠٢٢

تمر العلاقات الألمانية الفرنسية بأزمة حادة، وذلك في وقت تزداد فيه الحاجة للتعاون والتماسك بين البلدين. ورغم أنّ مثل هذه الأزمات ليس بالغريب، لكن التوقيت هذه المرة سيء للغاية والخلافات بين الدولتين تبدو أعمق من ذي قبل.

https://p.dw.com/p/4IfQY
المستشار الألماني أولاف شولتس يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في برلين 09.05.2022
هل تعود المياه إلى مجاريها بين فرنسا وألمانيا ويرأب ماركون وشولتس الصدع بين بلديهما؟صورة من: Kay Nietfeld/dpa/picture alliance

غالبا ما يكون اجتماع حكومتي ألمانيا وفرنسا غير مثمر وغير ذي أهمية خاصة. حيث يجتمع رئيسا حكومة البلدين ورئيس الدولة مع أعضاء حكومتي أكبر اقتصادين في الاتحاد الأوروبي ويصدرون بيانا مشتركا ويتخذون قرارات مشتركة غير ذات أهمية، مع التأكيد على تعاضد البلدين. وصحيح أن الأمر رمزي بالدرجة الأولى، ولكنه مهم بالنسبة لعمل وفاعلية الاتحاد الأوروبي.

وإن تأجيل اجتماع هذا العام إلى بداية العام المقبل، يؤكد على وجود خلافات عميقة بين البلدين الشريكين. والزيارة السريعة للمستشار الألماني أولاف شولتس المقررة اليوم الأربعاء (26 تشرين الأول/ أكتوبر 2022) ولقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا يمكن أن تخفي الأزمة بين البلدين. ورغم أن هذا الخلاف في الرأي بينهما ليس بالأمر الغريب غير المعتاد، ولكنه يأتي توقيت غير مناسب وسيء جدا.

"(إن تأجيل موعد الاجتماع) لا يعكس بحال من الأحوال وضع العلاقات الفرنسية الألمانية" حسب ما جاء في بيان لقصر الاليزيه الأسبوع الماضي. وأكدت المتحدثة باسم الاليزيه أن الاجتماع قد تأجل ولم يلغ، إذ أن توقيته لا يناسب كل الوزراء، ولم تنته التحضيرات للاجتماع.

بيد أنّ هذه التصريحات لم تثر شكوك الصحافين الذين كانوا حاضرين فحسب، إذ علق على ذلك شتفان زايدندورف، نائب مدير المعهد الألماني الفرنسي في مدينة لودفيغسبورغ الألمانية (DFI)، بأنه "منذ بدء عقد هذا الاجتماع عام 1963 وتثبيته بموجب اتفاق (بين البلدين) لم يتم إلغاء أي اجتماع".

وأضاف في حوار مع DW "أغلب الأحيان يجب أن يمر قادة البلد الجدد بمرحلة تعلم لفهم حقيقة أهمية هذا الاجتماع والمحور الفرنسي الألماني، وقد كان الأمر هكذا بالنسبة للمستشار الألماني الأسبق لودفيغ إيرهارد والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي أيضا".

ويرى الباحث السياسي زايدندورف أنه لا يمكن تطبيق مبدأ الواقعيين الأمريكيين القائم على أن البلد الكبير جدا يتولى دور القيادة بمفرده ويتبعه الآخرون، ويوضح بأنه "ليس هناك بلد أوروبي كبير بما يكفي ليضمن الاستقرار بمفرده. نحتاج إلى إجماع أساسي بين فرنسا وألمانيا اللتين دائما تكون مواقفهما متباعدة. ويمكن للدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تهتدي بهذا الحل الوسط".

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس أثناء اجتماعمها على هامش القمة الأوروبية في بروكسل
أدرك كل القادة الفرنسيين والألمان أنه لا يمكن للبلدين الاستغناء عن بعضهما ولا بد من تجاوز الخلافات.. فهل يدرك ماكرون وشولتس ذلك أيضا؟صورة من: Olivier Hoslet/Pool EPA/AP/dpa/picture alliance

انزعاج متبادل!

حاليا يبدو أن البلدين يفضلان السير في طريق منفرد. فقبل مدة قصيرة أقرت برلين حزمة مساعدات قيمتها 200 مليار يورو لمواجهة ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، دون إحاطة الشريك الفرنسي بذلك مسبقا وهوما أثار حفيظته. فهكذا حزمة مساعدات يمكن أن تشوه وتؤثر على المنافسة في السوق.

وعلاوة على ذلك وقعت ألمانيا على هامش مؤتمر حلف الناتو الأخير مع 14 دولة أوروبية أخرى، من دون فرنسا، على مشروع مشترك للدفاع الجوي أطلق عليه اسم "مبادرة درع السماء". وذلك رغم أن فرنسا تعمل مع إيطاليا على تطوير مشروع مظلة مضادة للصواريخ باسم "مامبا". وقد اكتسب الدفاع العسكري أهمية جديدة وكبيرة بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

وفي القمة الأوروبية الأخيرة أعلن الرئيس الفرنسي أن بلاده بالتعاون مع البرتغال وإسبانيا تريد بناء خط جديد لنقل الهيدروجين وفي حالات الطوارئ الغاز أيضا بين برشلونة ومارسيليا. وهذا المشروع سيكون بديلا لخطط بناء أنبوب لنقل الغاز بين إسبانيا وفرنسا عبر جبال البرينيه، والذي كانت تفضله ألمانيا. وقال ماكرون خلال القمة "ليس جيدا لألمانيا ولا لأوروبا أن تعزل ألمانيا نفسها".

"الطرفان منزعجان من بعضهما" يؤكد زايدندورف لـ DW ويضيف "تعتقد ألمانيا أنه يمكنها تجاوز فرنسا وتحقيق إجماع متعدد الأطراف مع الدول الصغيرة. وماكرون منذ خطابه في السوربون عام 2017 ينتظر من ألمانيا المزيد من الاندماج الأوروبي". ففي ذلك الخطاب دعا ماكرون ضمن أشياء أخرى إلى ميزانية لدول منطقة اليورو وتعزيز العمل المشترك في القضايا العسكرية والضرائب.

صورة رمزية لتصدع الاتحاد الأوروبي
ضعف المحور الفرنسي الألماني يضعف الاتحاد الأوروبي وهو مهم لعمل وفاعلية الاتحادصورة من: Cigdem Simsek/Zoonar/picture alliance

أزمة في توقيت حرج

هذه الأزمة لا تجدها صوفيا بورنشليغل، شيئا سارا، وتقول "ليس لدينا الوقت لهكذا شيء، هناك حرب في أوروبا ونواجه أزمة طاقة". وتضيف كبيرة المحللين السياسيين في مركز السياسة الأوروبية في بروكسل لـ DW: "إذا كنا محظوظين ولم يصبح الجو باردا جدا، سنتجاوز هذا الشتاء، ولكن على المدى الطويل نحتاج حلا أوروبيا لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، على سبيل المثال تأسيس صندوق تضامن. فإذا لم نستطع تأمين الطاقة فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة اقتصادية ومعدلات بطالة مرتفعة".

والانقسام الأوروبي يخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأن هذا يجعل أوروبا غير قادرة على التحرك والتصرف.

ويضيف إلى ذلك الخبير بالشأن الألماني لدى معهد باريس للعلاقات الدولية والاستراتيجية (Iris) جاك- بيير غوجيون، بأن هذه الأزمة أعمق من الخلافات السابقة بين البلدين اللذين نادرا ما يتفقان حول قضايا الطاقة. ففرنسا مثلا وعلى عكس ألمانيا تطالب بالطاقة النووية. ويوضح غوجيون لـ DW بأن "الخلاف صعب أيضا، لأن دولا صغرى مثل بولندا ودول البلطيق تشكك بالدور القيادي للثنائي الألماني – الفرنسي".

هل يلوح بصيص أمل في الأفق؟

بالنسبة للباحثة السياسية في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين (SWP) رونيا كيمبين، فإن الاختلاف الحالي في الرأي بين باريس وبرلين يعبر عن معارضة أساسية وقوية.

وتقول لـ DW "يريد ماكرون منذ فترة طويلة أن يعمل الاتحاد الأوروبي ضمن مجموعات صغيرة معنية بقضايا محددة، وهو ينظر بريبة لتوسيع الاتحاد الأوروبي شرقا قبل إصلاح الآلية التي يعمل بها الاتحاد. والاتحاد الأوروبي بالنسبة لفرنسا هو وسيلة لزيادة القوة".

وتضيف الخبيرة بالعلاقات الفرنسية الألمانية "وعلى عكس ذلك تميل ألمانيا إلى توسيع الاتحاد الأوروبي باتجاه الشرق، لأنها تنظر إلى الاتحاد الأوروبي كوسيلة تغيير تجلب السلام".

هناك خلاف عميق بين فرنسا وألمانيا في قضايا الدفاع أيضا. فصحيح أن ألمانيا قد غيرت سياستها التقليدية وزادت نفقاتها العسكرية، ولكنها تعول على الشراء المباشر بدل المشاريع الأوروبية المشتركة، وهو أيضا ما يتعارض مع الموقف الفرنسي حسب كيمبين.

لكن رغم كل ذلك يرى خبير العلاقات الفرنسية الألمانية، شتفان زايدندورف، أن هناك بصيص أمل يلوح في الأفق، بقوله "حتى الآن أدرك كل القادة الفرنسيين والألمان في النهاية أنه لا يمكن الاستغناء عن الآخر، حتى عندما يكون الوصول إلى حل وسط صعبا".

ليزا لويس/ ع.ج