طالبان والاتحادات والشخصيات الإسلامية: تأييد خفي؟
١٤ سبتمبر ٢٠٢١جاء رد فعل علي محيي الدين القرداغي سريعا، إذ هنأ العالم المعروف، والذي يُدرّس في جامعة الدوحة وهو أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حركة طالبان فور إطاحتها بالحكومة المنتخبة في كابول في منتصف أغسطس/آب. ووجه تهنئته أيضا إلى كل الأفغان- لطردهم "المحتلين بكافة أصنافهم" من البلاد. ثناء رسمي من ممثل رسمي للمسلمين موجه إلى حركة متطرفة تحكم بالعنف، وتبرر أحقيتها بالحكم السياسي الاستبدادي بنصوص من الإسلام.
وطالب القرداغي حركة طالبان بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل جميع الشرائح في أفغانستان "حتى لا تعود هذه المأساة (أي مأساة الحرب)" ، بحسب ما نقلت عنه قناة الجزيرة. كما حيا طالبان لانفتاحها المزعوم تجاه جيرانها والمجتمع الدولي.
ولكن الأيام اللاحقة أظهرت كيف أن تقييمه يتناقض بشكل واضح مع الحقائق: فحكومة طالبان التي تم الإعلان عنها مؤخرا اقتصرت فقط على قياديين في الحركة. ولا وجود لممثلي المجموعات الأخرى.
عبارات كتلك التي صرح بها القرداغي هي نموذج لعدد غير قليل من العبارات التي قالها رجال دين مسلمون. فهناك أحيانا مديح حذر لأخوة العقيدة الأفغان، والسبب يكون غالبا الموقف المبدئي المناهض للاستعمار. وقد يكون هذا المديح مصحوبا ببعض النصائح أو التحذيرات. وأيضا يُلاحظ الجهد المبذول لتوخي الحذر، بسبب اختلاط المصالح السياسية بالموضوع، ولذلك يتم تفسير النقد بين المسلمين على أنه أشبه بالوصاية، أو حتى يفهم على أنه خيانة.
بالمقابل يبدو النقد المباشر والصريح أمرا نادرا، رغم أن انتصار طالبان قد يؤدي إلى إحياء الصورة النمطية القديمة للإسلام "الرجعي" حول العالم ، على الأقل بنظر غير المسلمين. وكما أن القرداغي لم ينتقد بشكل مباشر المسلمات العقائدية لطالبان، علنا على الأقل، لم تصدر حتى الآن أي تصريحات ناقدة من جانب الممثلين الرسميين للمسلمين لإيديولوجية حكام أفغانستان القدامى الجدد.
"ليس هناك رفض واضح"
رد فعل رجال الدين المسلمين على تولي طالبان السلطة جاء "هامشيا"، كما يقيمه ميلاد كريمي، نائب رئيس مركز العلوم الإسلامية في جامعة مونستر الألمانية. ويضيف: هناك تصريحات فردية – غالبا حذرة - تنتقد تصرفات حركة طالبان. "ولكن حتى هذه هامشية جدا. وبشكل عام ليس هناك رفض عقائدي واضح لوجهة نظر حركة طالبان".
لقد أدلى العديد من القادة الدينيين بتعليقات ذات طابع سياسي أكثر منه ديني حول انتقال السلطة في أفغانستان. فلقد هنأ مفتي سلطنة عمان أحمد بن حمد الخليلي الأفغان بما وصفه "النصر الواضح على الغزاة" . وهنأ "الأمة الإسلامية جمعاء" على "الوفاء بوعد الله الصادق".
وفي ألمانيا أيضا يناقش بعض المسلمين المنظمين في جمعيات إسلامية الأحداث في أفغانستان. ولقد صدرت هنا على الأقل انتقادات واضحة باتجاه حركة طالبان. حيث وصف رئيس المجلس المركزي للمسلمين، أيمن مزيك، استيلاء طالبان على السلطة بأنه هزيمة كارثية ليس للغرب فقط. وإنما هي "كارثة للمسلمين في جميع أنحاء العالم، لأن الغالبية العظمى من المسلمين - والأفغان كذلك - لا يريدون حياة قديمة مقترنة بعقيدة قبلية"، كما قال مزيك لمحطة "BR" العمومية في ولاية بافاريا.
كلمات واضحة من ألمانيا
ولكن بالنسبة للقانوني مراد كايمان، فإن ردود الفعل العامة للجمعيات الإسلامية في ألمانيا ضعيفة جدا. كان يمكن توقع تصريحات سريعة من الاتحادات الإسلامية الرئيسية حول أفغانستان، كما كتب كايمان في مدونة "كلمات الجمعة" التابعة لجمعية "الحمراء الألمانية - مسلمون من أجل أوروبا تعددية"، وهي الجمعية التي شارك في تأسيسها.
وحتى عام 2017 كان كايمان رجل قانون في مجلس إدارة الاتحاد التركي الإسلامي (ديتيب)، لكنه انفصل لاحقا عن الاتحاد المقرب من الحكومة التركية.
ويفسر كايمان صمت العديد من الجمعيات الإسلامية الألمانية، بوجود "استعداد كبير لإظهار التضامن مع حركة طالبان وإضفاء الطابع المثالي على دوافعها الدينية المفترضة". ومما كتبه كايمان حرفيا: "لقد حققت حركة طالبان ما يعتبره كثير من المسلمين، بما في ذلك عدد غير قليل من المسؤولين في الجمعيات، نموذجا للتطور الاجتماعي. أي التطبيق المطلق لتولي السلطة والقضاء على أي منافس.
وفي العالم العربي أيضا وُجهت انتقادات مماثلة، وهنا كانت نادرة أيضا. الكاتبة هبة يسري، انتقدت في مقال على الموقع الإلكتروني لقناة العربية (وهي قناة سعودية مقرها دبي)، وجود أصوات في مصر تدعو للترحيب بنجاح حركة طالبان ودعم القضية الإسلامية. ووصفت يسري هذه الأصوات بأنها "ماكرة وخطيرة". "لأنه إذا سمع شاب لم يحصل على تعليم كاف عن نجاحات طالبان، فقد يفسر ذلك بأنه لا يعود إلى مهاراتهم العسكرية، وإنما إلى قربهم من الله".
وتقول هبة يسري إنهم يرون أنفسهم "أنهم الإسلام"، معلقة على صورة طالبان الذاتية. "إنهم ممثلو الله. ومن يعارض طالبان فهو يعارض الله". وبسبب هذا التصوير الذاتي الخطير لطالبان، ترى الكاتبة أنه من المهم النأي بالنفس عنهم. وتختم بالقول: "حركة طالبان لا تمثل الإسلام".
تحفظات علمية دينية
مرجعية طالبان في إيديولوجيتها هي جامعة "دار العلوم" في ديوبند في ولاية أوتار براديش الهندية. وتعتبر هذه الجامعة أحد أكبر المراكز الدينية في العالم الإسلامي. ورغم ذلك فإن تعاليمها هشة وبالكاد يمكن الدفاع عنها من الناحية العلمية، كما يقول الباحث في العلوم الإسلامية ميلاد كريمي في حديثه لـDW: الاعتراض الأول هو أنه لديهم فهم خاص لإرادة الله، ويعتبرونه هو إرادة الله فعلا". (طالبان من أتباع المنهح الماتوريدي). وهذا لا يدع أي مجال للتفسير.
ويرى كريمي أن "هذا أمر خطير. لأنه إذا اقتنع شخص بأن رأيه يطابق الحقيقة، فسيعتبر كل صوت آخر مخالفا للحقيقة. ولكن إذا ساوى الشخص بين تصوره الخاص وفكرة الله، فهذا يعتبر تجديفا خالصا".
وعلى ضوء ذلك، يبقى أن نتابع كيف ستعامل طالبان الأقلية الدينية من الهزارة الشيعة ، وهل سيقبلون على الأقل إلى درجة معينة بالتعددية الاجتماعية، في العالم الافتراضي (الإلكتروني) أيضا.
ويرى الباحث في علوم الإسلام كريمي أن التفسير التطبيقي للشريعة لدى حركة طالبان يعتبر مشكلة. "و تغفل حركة طالبان حقيقة أننا نحن البشر لا يمكن أن تكون بيدنا القدرة على إطلاق الأحكام كما الله ، وإنما يجب أن نسعى جاهدين لاتباع أمر الله قدر المستطاع من خلال التصرف بشكل أخلاقي". الشريعة ليست نصا مقننا يجب تطبيق قواعدها حرفيا قدر الإمكان. "مثل هذا التصور أمر غير صحيح علميا على الإطلاق".
وبحسب كريمي، فإن فهمهم لدور النساء على أنهن كائنات مهمتها الإنجاب فقط هو أمر غير مقبول. "هذا لم يعد تفسير وفهما خاصا، وإنما احتقار لخلق الله".
المشكلة الأكبر، برأي كريمي، في صمت ممثلي المسلمين حيال طالبان، وكذلك يرى مراد كايمان، هو أن ذلك يخلق شكوكا بأن بعضهم موافقون ضمنيا على ايديولوجية طالبان. "إنهم صامتون لأنهم يرون ما في مخيلتهم يتحقق". ولكن هناك سببا آخر للتردد، كما يرى ميلاد كريمي - موجها ضربة لفظية أخرى لممثلي المسلمين المعروفين في جميع أنحاء العالم: كثير من هؤلاء العلماء "لا عقل لهم ولا قوة، يعيشون في كسل وفي راحة زائدة، وبالتالي لا يستطيعون الاضطلاع بمسؤولياتهم الروحية. لقد فقدوا تماما إحساسهم بالتدين. إنهم مهتمون فقط بالدين كواجهة لا أكثر، وهي واجهة تم استنزافها من الداخل منذ مدة طويلة".
كيرستن كنيب/ف.ي